بسم الله الرحمن الرحيم
في الرأفة بأهل الأعذار
جاء من ضمن محاسن الأمور التي عهد بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، في أحد كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر قوله: " ثم الله الله في الطبقة السُّفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين البؤسى والزُّمنى، فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعترّاً، واحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قسماً من بيت مالك، وقسماً من غلات صوافي الإسلام في كل بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكل من إسترعيت حقه فلا يشغلنك عنهم بطر، فإنك لا تعذر بتضييعك التافه لأحكامك الكثر المهم، فلا تشخص همك عنهم، ولا تصغر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون، وتحتقره الرجال. ففزِّع لأولئك ثقتك من أهل الخسة والتواضع. فليرفع إليك أموهم ثم إعمل فيهم بالأعذار، وإلى الله يوم تلقاه، فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، وكل ما عذر إلى الله في تأدية حقه إليه. وتعهد أهل اليتم وذوي الرِّقة في السن، وقد يحفظه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم. واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرغ لهم في شخصك، وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه لله الذي خلقك. وتقعَّد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في غير موطن: " لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع". ثم إحتمل الخُرق منهم والعيَّ ونحِّ عنك الضيق والأنف، يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته، ويوجب لك ثواب طاعته، واعط ما أعطيت حثيثاً، وامنع في إجمال وإعزاز. ثم أمورٌ من أمورك لا بد لك من مباشرتها ومنها إجابة عمالك بما يعيى عنه كتابك. ومنها إصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك، مما تحرج بها صدور أعوانك، وامضي لكل يوم عمله، فإن لكل يوم ما فيه، واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت، واجزل تلك الأقسام، وإن كانت كلها لله إذا صلحت عليها النية وسلمت منها الرعية. وليكن في خاصة ما تخلص به لله دينك، إقامة فرائضه التي هي له خاصة، فاعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ووفِّ ما تقربت به إلى الله من ذلك كاملاً غير مثلوم ولا منقوص بالغاً من بدنك ما بلغ، وإذا أقمت في صلاتك للناس، فلا تكونن منفراً ولا مصعباً، فإن في الناس من به العلة ولة الحاجة، وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وجهني إلى اليمن، كيف أصلي بهم؟ فقال: " صل بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيماً ".
من كتاب: عبده، محمد، نهج البلاغة، ج 3، دار الحديث القاهرة، 2004م، ص 382، ص 385.